بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بشيراً لأتباعه ، نذيراً لأعدائه ، بل كانت مهمة الرسل لا تعدو هذين الوصفين : ( وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ) سورة الأنعام: 48 ، وقد أمر الله عز وجل في كتابه بتبشير المؤمنين والصابرين والمحسنين والمخبتين .. في آيات كثيرة.
والمقصود بخلق التبشير:- التخلق بالصفات التي تستدعي الاستئناس والارتياح والتحبب وبث الأمل في القلوب ، والبعد عن أساليب التنفير ودواعي الانقباض ، حتى في التخويف من الله والترهيب من النار .
أساليب تبشير الحبيب
وكان من أساليب تبشير رسول الله صلى الله علي وسلم أنه يختار الوقت المناسب والقدر المناسب لأداء الموعظة والعلم كي لا ينفر الصحابة ، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم :- ( يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا ) رواه البخاري ، وعلق عليه ابن حجر بقوله :- ( المراد تأليف من قرب إسلامه ، وترك التشديد عليه في الابتداء ، وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليقبل ، وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدرج ؛ لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلاً حبب إلى من يدخل فيه ، وتلقاه بانبساط ، وكانت عاقبته غالباً الازدياد )
ومن حكمته صلى الله علي وسلم أنه استعمل أساليب التبشير في إيقاظ الهمم والتنشيط للطاعة ، ومن ذلك قوله :- ( بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ) رواه ماجه ، وصلى العشاء صلى الله علي وسلم مرة بأصحابه ، وقبل أن ينصرفوا قال لهم :- ( على رسلكم ، أبشروا ، إن من نعمة الله عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلي هذه الساعة غيركم ) رواه البخاري ، قال أبو موسى الأشعري : فرجعنا ففرحنا بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حاجتنا للتبشير لا للتنفير
ويحتاج الإنسان في حالات الاضطراب إلى التبشير بما يزيل عنه دواعي الاضطراب ، فبعد نزول الوحي على رسول صلى الله عليه وسلم ذكر لخديجة رضي الله عنها ما جرى له ، وأخبرها بخوفه على نفسه من هذه الظاهرة الجديدة، فبشرته بأن له من سابقة الخير ما يستبعد معها مكافأة بمكروه، فقالت :- ( كلا ، فو الله لا يخزيك الله أبداً ، فو الله إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتعين على نوائب الحق ) ، وكان هذا شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمته ليزيل عنها دواعي القلق على مستقبل هذا الدين
بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض ) رواه الإمام أحمد
وحتى في حالات الضعف البشري لم يكن صلى الله عليه وسلم ليعنف أصحابه بفظاظة وغلظة ، وهم الذين سمعوا بقدوم أبي عبيدة بجزية البحرين ، فاجتمعوا على صلاة الفجر، وتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة ، ففهم ماذا يريدون ، قال :- ( فأبشروا وأملوا ما يسركم ، فوالله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا ) رواه البخاري.
والمؤمن محتاج في حال البلاء إلى من يكشف همه ، ويبشره بما يسره ، إما بفرج عاجل ، أو بأجر آجل ، ولقد وجد رسول صلى الله عليه وسلم أم العلاء مريضة فقال لها :- ( أبشري يا أم العلاء ، فإن مرض المسلم يذهب خطاياه ، كما تذهب النار خبث الحديد ) .
من صفات المؤمنين
والمؤمن بشير في مواقف الأسى يسري عن الناس أحزانهم ؛ بما يدخل البهجة إلى قلوبهم ، ويبعد الكآبة عنهم ، كتب زيد بن أرقم إلى أنس بن مالك يعزيه فيمن قتل من ولده وقومه ، فقال : أبشرك ببشرى من الله عز وجل ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :- ( اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار ، ولأبناء أبناء الأنصار) .
ولقد بشر رسول اللهصلى الله عليه وسلم الموحدين بالجنة جزاء التزامهم بكلمة التوحيد قولاً واعتقاداً وعملاً رحمة من الله سبحانه :- ( أبشروا ، وبشروا من وراءكم ؛ أنه من شهد أن لا إله إلا الله صادقاً من قلبه ، دخل الجنة ) ، وقال جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم مبشراً المؤمنين الحذرين من صور الشرك كبيرها وصغيرها :- ( بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئاً ، دخل الجنة ) رواه البخاري
وفي توبة كعب بن مالك صورة عملية من صور التعاطف الاجتماعي والتهنئة بقول التوبة ، حيث ذهب إليه عدد من المبشرين ، فناداه أحدهم قبل أن يصل إليه :- ( يا كعب بن مالك ! أبشر ، يقول كعب :- فخررت ساجداً، وعرفت أن قد جاء فرج ) ، وتلقاه الناس فوجاً يهنئونه بالتوبة ويقولون له : ( لتهنك توبة الله عليك ) ، ولما سلم على رسول الله قال صلى الله عليه وسلم، وهو يبرق وجهه من السرور : ( أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك ) .
وقد وعد الله الذين آمنوا وكانوا يتقون بأن : ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخر ) سورة يونس : 64
إلى إخواني الدعاة ..
( بشِّروا ولا تنفِّروا ويسِّروا ولا تعسِّروا ) ، هذا كلام الرسول المعصوم فيه إعلان صريح وخطاب واضح موجّه لحملة الإسلام ، معناه التبشير بالدِّين الجديد والتّيسير على الناس وعدم تنفيرهم بالغلظة والفظاظة ، بل دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة وتذكيرهم برحمة أرحم الراحمين ، إن العلماء والدعاة وحملة الهم الإسلامي هم رسل سلام ورحمة في الحقيقة ، فإذا خالف أحدهم هذا المنهج وأصبح ينفِّر الناس بشدّته وقسوته ويقنّطهم من رحمة الله فإنما لخلل في نفسه هو ، وإلا فإن رسالة الإسلام رسالة حب وسلام ورحمة وهداية ، يقول الله تعالى ( وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين من كلمات الدكتور عائض القرنى .
وبعد ..
أفبعد كل هذه الإشارات يقبل أحدنا لنفسه أن يكون مصدر شؤم ، ومظنة تخذيل ، وإحباط أو تنفير ، أو قتل للقدرات ؟ أم نشيع البشرى ، وننشر التفاؤل ، ونحيي النفوس ونحرض على الخير، ونعين على المعروف ، ونستنهض الهمم إلى أن يكون كل منا بشيراً لإخوانه يحيي فيهم الأمل ويدفعهم إلى مزيد من العمل
هذه دعوتنا ومن رغب عن سنتنا ليس منا
مع تحياتي لكم وتمنياتي لكم ان تفيدوا وتستفيدوا من هدي البشير النذير
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته