عدد الرسائل : 201 العمر : 65 الموقع : http://www.bashiti.ahlamontada.com اسم العائله : البشيتي اسم الاب : شعيب السٌّمعَة : 1 نقاط : 333 تاريخ التسجيل : 14/12/2008
موضوع: مقاس الحذاء 44 الإثنين ديسمبر 22, 2008 7:10 am
موازين القوة لن تغيرها فردتا حذاء، وحسابات المواقف لن ترجحها أي فردة منهما حتى وإن كانت من مقاس (44)
تقول نكتة مصرية: إن شاويش الدورية مفتول الشوارب ضبط شخصًا ذات ليلة وقد انكب على وجهه يفتش في الأرض عن شيء ما.. سأله الشاويش «بتعمل إيه يا مواطن؟!».. أجاب «أبحث عن ربع جنيه وقع مني على الأرض».. قال الشاويش: «أين وقع منك الربع جنيه؟!».. أشار المواطن بأصبعه إلى مكان بعيد قائلاً: «هناك».. فاندهش الشاويش وسأله: «ولماذا تفتش عنه هنا إذن؟».. قال المواطن ببساطة: «أصل هنا نور.. وهناك ظلمة»!.انتهت النكتة، لكن دلالاتها مستمرة ومغزاها قائم طول الوقت، طالما أن فينا من يفتش عن الحل بعيدًا جدًا عن المشكلة.
بطل النكتة ليس مشغولاً بالعثور على ربع الجنيه قدر انشغاله بإنجاز مهمة بحث والسلام.. هذا المنهج ذاته هو ما يستدرجنا جميعًا إلى المسار الخاطئ.. فالمهم عندنا سهولة المسار وليس إلى أين يقودنا هذا المسار.
والعرب من حيث نوع ومستوى ردود أفعالهم (ليست لديهم أفعال تقريبًا) مثلهم مثل بطل نكتة الربع جنيه، فهم يفتشون عن انتصار في المنطقة السهلة، وهم يتطلعون دومًا إلى إبراء الذمة وإخلاء المسؤولية وتسديد الخانة بدلاً من تحقيق النتيجة وإثبات الفاعلية وتأكيد الذات بالعمل، وإثبات الوجود بنتائجه، هم يريدون انتصارًا بـ(بلاش) بلا تخطيط ولا تنفيذ ولا عمل جماعي، ولا جهد قيادي، ولا تصنيع، ولا تعليم، ولا بحث علمي، ولا إنفاق، ولا شد أحزمة... «عايزين حاجة ببلاش كده» على حد قول سائق تاكسي مصري، قال زميل له حين سألته عن رأيه في الشكل والمستوى الذي جاء عليه رد فعل الشارع العربي في واقعة الحذاء: «كله في الهشاشة يا باشا».. ربما يقصد أنها (هيصة) وستمر مثل كل هيصة، لكن ما فهمته أنا من «الهشاشة» هو حالة ما بعد العجز الكلي والشلل الرباعي العربي.. فالشارع يحتفل بفعل، لاشك أنه «شجاع» ولكن لاشك مطلقًا في أنه «رمزي» أيضًا، أي أنه بذاته لا يصنع تحولاً، ولا يتيح تغييرًا في المواقف على الأرض. فموازين القوة لن تغيرها فردتا حذاء، وحسابات المواقف لن ترجحها أي فردة منهما حتى وإن كانت من مقاس (44).
ومع ذلك فلا أحد يستطيع أن يلوم الشارع العربي لأنه ابتهج بواقعة الحذاء، ولا أحد يمكنه اتهام المبتهجين العرب بالسطحية أو (التفاهة) كما قالت فضائية مصرية عائدة لرجل أعمال (مصري - أمريكي) كبير، وإنما بالطبع يقع اللوم على النظام الإقليمي العربي كله، فحالة «الهشاشة» التي يعانيها هذا النظام قد أفرزت حالة «التهافت» التي يعانيها الرأي العام العربي.
لا تلوموا الناس المتعطشين للفعل إذن في زمن غابت فيه الأفعال، وبدت الأقوال خجولة، وعاجزة، وواهنة.. حاسبوا من غيَّب الفعل واجتز فحولة الأمة واستأصل ذكورتها، حتى ما عاد لديها من أدوات الفعل سوى حذاء، وما عاد لها من علامات الكرامة سوى حذاء أيضًا، يا للهول.. الحذاء بات من علامات الكرامة العربية في زمن تدلت فيه الشوارب العربية التي كانت تقف عليها الصقور!!
تذكرت الربع جنيه وأنا أتابع ردود فعل الشارع العربي، والإعلام العربي، والشعراء العرب.. وبعض الوجهاء من العرب، على حادثة حذاء الزيدي الذي صوَّبه الصحافي العراقي إلى رأس الرئيس الأمريكي جورج بوش.. المشهد ساحر.. ساخر، خليط من الكوميديا والتراجيديا، أو هو من ذلك النوع المعروف باسم (تراجيكوميك) أي الكوميديا السوداء.. لماذا هو كوميديا؟.. لأنه يحمل ذروة المفارقة، فرئيس أكبر دولة في العالم ذهب ليسجل انتصارًا أخيرًا في العراق «المحتل»، قبل أن يغادر مكتبه في البيت الأبيض ويسلم أوراقه لخلفه الديموقراطي أوباما، فإذا به يخرج بفضيحة من العيار الثقيل.. تقول له نتائجها الأولية ببساطة (أنت لم تنتصر.. ولم تحسم الأمر في العراق «المحتل» لصالحك.. وإذا كنت تريد دليلاً فهاك «فردتي حذاء».. آخر ما تسلح به آخر عراقي يخوض آخر مواجهة مع الرئيس الأمريكي المغادر).
وهكذا يقول المشهد الكوميدي ببساطة: إن رئيس أكبر دولة ذهب ليتوج نفسه بأكاليل الغار في العراق المحتل فخرج وعلى رأسه فردتا حذاء!! ألا يبدو المشهد مضحكًا؟! لاشك أنه كذلك، لكن هذا الرئيس ذاته قد أبدى للإنصاف رشاقة ولياقة بدنية رفيعة المستوى، وبرغم دقة تصويب فردتي الحذاء في المرتين باتجاه رأس الرئيس الأمريكي بوش، فقد أمكنه تفاديهما بـ(براعة) ليته امتلك مثلها قبل أن يتورط بقرار غزو العراق.. ثم إن الإنصاف يقتضي أيضًا الاعتراف باللياقة الذهنية للرئيس الأمريكي الذي قالت عنه أمه إنه محدود الذكاء، فهو قد بدا رابط الجأش، غير منفعل ولا منفلت، بل لقد حاول استثمار الواقعة باعتبارها (ثمن الحرية) التي يقول إنه منحها للعراقيين، ثم راح بعدها يستعرض خفة ظله، مذكرًا شهود المؤتمر الصحافي أن حذاء الزيدي مقاس (10) أي (44). وهو كوميديا أيضًا لأن عنوان حرب بوش ضد العراق أو الغطاء الذي استخدمه لإضفاء المشروعية على الحرب والغزو والاحتلال كان «نزع أسلحة الدمار الشامل».. وفيما اعترف بوش لاحقًا بأنه لم يجد أسلحة دمار شامل في أي مكان بالعراق.. خرج عليه مواطن عراقي كان يخفي الدمار الشامل في نعليه.. فالرئيس الأمريكي فيما يبدو لم يدرك حتى لحظة تصويب الحذاء تجاه رأسه أن «روح الدمار الشامل» تسكن القلوب والعقول، وأن انتزاعها يقتضي اقتلاع كل الرؤوس من فوق كل الأعناق بالعراق.. وهي مهمة مستحيلة.
وهو كوميديا كذلك لأنه يجعل مهمة الأجهزة الأمنية حول العالم أكثر صعوبة عند تأمين مثل تلك المناسبات، كما أنه قد يرسي سابقة مخيفة إذا ما فكر آخرون أن يحذوا حذو رامي الحذاء.. ولعل مسؤولي تأمين المناسبات من هذا النوع عاكفون الآن -حول العالم- في ابتكار وسائل كافية لضمان عدم استخدام الأحذية في غير غرضها الأصلي والوحيد، وقد يقترح أحدهم تزويد المشاركين بحذاء إضافي يرتدونه فوق الحذاء الأصلي ويجري تأمينه بأربطة تجعل انتزاعه أكثر صعوبة، ثم يقومون بتسليمه عقب انتهاء المناسبة، (براءة اختراع أحتفظ لنفسي بها).
وهو كوميديا أيضًا بقدر ما أضحك العالم كله.. فهو لم يقع في السر أو خلف الأبواب المغلقة، أو وراء الجدران العازلة للصوت والصورة معًا، لكنه جاء مشهودًا من عشرات الملايين ممن عايشوا المشهد لحظة بلحظة، ومن مئات الملايين غيرهم، أعادوا تداوله، وإنتاجه، عبر الإنترنت على مواقع الـ(يوتيوب).. والـ(فيس بوك).. وكذلك عبر الهواتف النقالة التي تداولت الصور والمشاهد والتعليقات وحتى النكات.
لاشك أن منتظر الزيدي قد امتلك شجاعة الفعل وبراعة الفكرة.. وبراءة الاختراع.. لكن كل شجاعته وإبداعه كانا سيذهبان أدراج الرياح لولا تقنيات الاتصال المتطورة التي أبدعتها عقول أمريكية واستفاد هو منها.. ولولا مناخ سياسي قد تغير في العراق بفعل خطيئة ارتكبها الرئيس المعتدى عليه.
أما لماذا هي كوميديا (سوداء): فلأنها ضبطت الشارع العربي كله، والإعلام العربي جله، يفعلون كما كان يفعل بطل النكتة المصرية السابقة.. فقد كشفت تداعيات «حذاء المنتظر» عن حالة تهافت عربي مخيفة، صحيح أنه أمكن رصد حال الشماتة في مناطق متفرقة من العالم في أوروبا وحتى في الولايات المتحدة ذاتها، لكن الصحيح أيضًا أن ما حدث في الشارع العربي ووسائل الإعلام العربية بدا أكبر بكثير من كل ما يحتمله الحدث، وكما قلت في السابق فأنا لا ألوم عربيًا واحدًا ابتهج لواقعة الحذاء فهو قد داوى جروحه بها، بعدما عجز النظام الإقليمي العربي عن مداواتها، بأدوات السياسة، والسيادة، والفعل، لكن ردة فعل الشارع ومستوى المعالجة الإعلامية في الفضائيات العربية بصفة خاصة، قد كشفا عن العجز بأكثر مما استنهضا عناصر القوة في الحدث ذاته.
ولعل أكثر ما يتعين على النظام الإقليمي العربي أن يفعله بعد مشهد الحذاء، بكل تداعياته، هو استنهاض إرادة الفعل العربي، ومعالجة حالة التهافت والعجز والهشاشة في الشارع العربي، بتوفير قنوات للتعبير الحر لا تدع الحذاء بديلاً وحيدًا، وتهيئة مؤسسات للفعل العربي لا تترك الحذاء خيارًا عاجزًا بالفعل وإن كان قادرًا بالرمز على أن يقول: «لا.. للاحتلال».
يستحق بوش الذي اعترف بأنه أخطأ بقرار غزو العراق أن يسدد ثمن أخطائه، وهو لن يفعل ذلك تطوعًا، ما لم تتحرك منظمات أهلية وحكومية عربية لملاحقته -بموجب اعترافه- أمام هيئات دولية وقضائية تستطيع النيل منه، وتحميله فاتورة أخطائه وجرائم جنوده التي شهدها العالم تمامًا كما شهد واقعة الحذاء.
وأخيرًا.. لو كانت لدينا مؤسسات مجتمع مدني قادرة على ملاحقة المسؤول عما حدث في العراق من أول صدام حسين وحتى جورج بوش لما خلع الزيدي حذءاه... أقول «لو». منقوووووووول
د.صبحي بشيتي Admin
عدد الرسائل : 523 العمر : 63 اسم العائله : البشيتي اسم الاب : شعيب السٌّمعَة : 0 نقاط : 175 تاريخ التسجيل : 12/12/2008
موضوع: رد: مقاس الحذاء 44 الثلاثاء ديسمبر 23, 2008 10:26 am
شئ رائع جدا و ان شاء لله بالنصر للمسلمين
مرام صبحي مدير عام
عدد الرسائل : 345 العمر : 31 الموقع : http://www.bashiti.ahlamontada.com اسم العائله : البشيتي اسم الاب : صبحي السٌّمعَة : 0 نقاط : 41 تاريخ التسجيل : 12/12/2008